حوار- وزير خارجية مصر: حذرنا مرارا من وجود نية مبيتة للتصعيد في المنطقة
أخبار الأمم المتحدة: تشارك في المناقشة السنوية رفيعة المستوى للجمعية العامة في وقت يشتد فيه التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، أولا لابد أن نسألك عن تعليقك على آخر ما حدث في لبنان.
وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي: حذرنا مرارا وتكرارا من وجود نية مبيتة للتصعيد في المنطقة، إن الحكومة الإسرائيلية الحالية كل هدفها ليس استمرار العدوان على غزة والضفة الغربية ولكن أيضا التصعيد الإقليمي وإمكانية جر المنطقة برمتها إلى حرب إقليمية شاملة.
أي انتهاك لسيادة لبنان ووحدة أراضيه هو مدان تماما جملة وتفصيلا، وبالتالي ما يحدث في لبنان من قصف وغارات جوية هو أمر مرفوض تماما، ونحن نتضامن تماما مع الشعب اللبناني الشقيق. فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي أجرى اتصالا فوريا برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، وهناك استجابة للعديد من الطلبات من أشقائنا في لبنان بتقديم دعم كامل في المجال الطبي والصحي، وهو ما تمت الاستجابة إليه فورا من قبل فخامة الرئيس. الوضع شديد الصعوبة في المنطقة.
المنطقة بالفعل على حافة الهاوية والتصعيد مستمر. وللأسف الشديد نلحظ تقاعسا من المجتمع الدولي، وعدم تحرك جاد وعدم تدخل من جانب المنظومة الدولية من الأطراف الإقليمية والدولية الرئيسية للعمل على تجنب الوصول إلى مواجهة شاملة.
وهذه مسألة للأسف الشديد تضع قضية الأمن والسلم الدوليين على المحك لأن هناك إحباطا وغضبا من الشارع العربي والشارع المصري وفي العديد من دول العالم لوجود سياسة ازدواجية المعايير وعدم تطبيق القانون الدولي، وأن تكون هناك دولة فوق القانون ولديها حصانة وإفلات من العقاب. هذا أمر غير مقبول ولا يتعين التسامح معه.
أخبار الأمم المتحدة: عقدت الكثير من الاجتماعات في مقر الأمم المتحدة خلال هذه الفترة، جزء كبير منها يتعلق بالوضع في غزة. ما أهم ما توصلتم إليه كمجموعة عربية ومجموعة إسلامية بشأن القضية الفلسطينية؟
وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي: بالفعل، كان هناك العديد من الاجتماعات زادت عن 7 أو 8 اجتماعات في أطر مختلفة. لجنة الاتصال العربية الإسلامية كانت تتحرك بكل قوة وفاعلية. أجرت لقاءات عديدة من بينها مع سكرتير عام الأمم المتحدة.
وتم أيضا تنظيم جلسة في مجلس الأمن لتناول الأوضاع في قطاع غزة وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتم نقل الموقف العربي وموقف الدول الإسلامية بشكل واضح. كان هناك حث من جانبنا للسكرتير العام للأمم المتحدة وأيضا لمجلس الأمن بالاضطلاع بمسؤولياته وبوجود تقاعس للأسف الشديد وشلل في عمل مجلس الأمن. ما يحدث هو انتهاك خطير يمس الأمن والسلم الدوليين، وهذا هو المقصد الأساسي لإنشاء الأمم المتحدة وفي قلبها مجلس الأمن.
عدم التعامل مع التهديد الإسرائيلي الآن في المنطقة وما يمثله من تهديد للأمن والسلم الدوليين مسألة خطيرة ولا يجب التسامح معها، ولا بد أن يكون هناك تدخل لفرض إجراءات لمنع هذا العدوان ووقفه عند حدوده.
أخبار الأمم المتحدة: هل يمكن أن نقول إن التحالف العالمي لدعم تطبيق حل الدولتين أحد النتائج المهمة التي خرجتم بها؟
وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي: النتائج المهمة هي نقل وجهة النظر العربية والإسلامية والتأكيد على خطورة الموقف وأهمية اتخاذ إجراءات. أهمية تنفيذ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، وأهمية تنفيذ مقررات وما صدر عن مـحكمة العدل الدولية وما تم اتخاذه من إجراءات وتدابير مؤقتة والحكم الأخير الخاص بعدم شرعية الاحتلال.
كل هذه قرارات للأسف الشديد لا تجد طريقا لتنفيذها. الأمر الذي جعل الرأي العام محبطا، والعديد من الشعوب في المنطقة لم تعد تثق في جدوى هذه المنظومة، وبالتالي علينا أن نعيد المصداقية والصدقية من خلال تنفيذ هذه القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية.
أخبار الأمم المتحدة: قد يكون انتباه العالم تحول قليلا عن غزة خلال الأسبوع الماضي، ولكن مصر تقوم بدور مهم جدا والأمم المتحدة دائما تتحدث عن دور الوسطاء: مصر وقطر والولايات المتحدة. هل ما زالت المفاوضات جارية وهل هناك أمل لتوقف ما يحدث في غزة في الوقت الراهن؟
وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي: طبعا مصر لم تتوقف على الإطلاق عن السعي لوقف حمام الدم وحقن دماء الفلسطينيين الأبرياء. جهودنا مستمرة مع الأشقاء في قطر ومع الأصدقاء في الولايات المتحدة. المشكلة الحقيقية هي غياب الإرادة السياسية، أن هناك طرفا كما ذكرت يجعل نفسه فوق القانون وبالتالي هو العنصر المعرقل للتوصل إلى أي اتفاق يضمن إطلاق سراح الرهائن وأيضا يضمن الوقف الفوري لإطلاق النار. للأسف الشديد هذه الإرادة غير موجودة بل هناك عقبات يتم اتخاذها من جانب الطرف الإسرائيلي.
كلما نصل إلى نقطة الحقيقة للتوصل إلى اتفاق يتم تشتيت الانتباه من خلال انتهاج سياسات استفزازية وأحادية في المنطقة والعمل على إشعال المنطقة وتشتيت الانتباه عن الموضوع المهم وهو الوقف الفوري لإطلاق النار وإبرام الصفقة التي طال انتظارها.
هذه هي المشكلة، وبالتالي يتعين على المجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات محددة تجاه الدولة التي ترفض كل جهود الوساطة وترفض تطبيق القرارات وتمعن في القتل وترهيب المواطنين، وهذه مسألة أصبحت على المحك كما ذكرت بالنسبة للمنظومة الأممية برمتها.
أخبار الأمم المتحدة: في ظل هذا الوضع، هل يمكن للمواطن العربي أن يرى احتمالا لأي انفراجة في هذا الوضع؟
وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي: لن نتوقف عن الجهود المبذولة، وكل هذا يتوقف على الإرادة السياسية وخاصة من المجتمع الدولي إذا كانت هناك جدية وإجراءات محددة وثمن يتم دفعه لهذه التجاوزات والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي ومبادئ القانون الدولي الإنساني، فهناك سيكون أمل.
أما إذا ترك الأمر لطرف ما أن يعيث في المنطقة بهذا الشكل ويقودها إلى حافة الهاوية فهذا أمر شديد الخطورة وينبئ بتصعيد غير مسبوق وانفجار محتمل في المنطقة.
أخبار الأمم المتحدة: موضوع آخر مهم للغاية هو السودان. ما أهم ما دار في اجتماعاتك ومحادثاتك في الأمم المتحدة حول هذا الموضوع؟
وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي: بالفعل كانت هناك لقاءات مكثفة حول الملف السوداني. مصر أكثر دولة متضررة من الأزمة الحالية في السودان. استقبلنا أكثر من مليون ومئتي ألف مواطن من السودان منذ اندلاع الأزمة في أبريل 2023.
ما يحدث في السودان هو أمر يمس الأمن القومي المصري، ولذلك نحن في كل الاتصالات التي عقدت، ركزنا بشكل كامل على الأهمية البالغة أولا للوقف الفوري لإطلاق النار وتنفيذ مخرجات ومقررات جدة. ثانيا النفاذ الكامل للمساعدات الإنسانية. لقد بذلنا جهدا كبيرا جدا مع مجلس السيادة وتم تتويج هذا الجهد بفتح معبر كامل للمساعدات الإنسانية، هو معبر أدري على الحدود بين السودان وتشاد.
المعبر يعمل حاليا ولكن هذا لا يكفي، لا بد من الوقف الفوري لإطلاق النار حتى يمكن إطلاق عملية سياسية لبناء دولة ديمقراطية شاملة تشمل الجميع دون استثناء.
هذا كان محور ما تمت مناقشته خلال عدد من الاجتماعات مع الجانب الأمريكي، مع الجانب الألمانيـ مع الجانب الفرنسي، مع كل الأطراف المعنية. وبالتالي نتحرك بكل قوة في هذا الاتجاه، ونؤكد على ضرورة التعامل والاعتراف بالحكومة السودانية الشرعية وتأكيد الدعم الكامل لمؤسساتها وفي مقدمتها الجيش السوداني وباقي مؤسسات الدولة.
لا يتعين ولا يجوز أن نضع على قدم المساواة ميليشيا مع جيش وطني تم تأسيسه منذ أكثر من مائة عام. يتعين دعم هذه المؤسسات حتى نمكن الدولة من الاضطلاع بمسؤولياتها، ونعمل على حقن دماء السودانيين من خلال الوقف الفوري لإطلاق النار وإطلاق عملية سياسية كاملة والنفاذ الكامل للمساعدات.
أخبار الأمم المتحدة: كيف توازنون بين الوفاء بالتزاماتكم تجاه اللاجئين- لأن لكل شخص حق الفرار من العنف والسعي إلى السلامة- وبين التحديات التي يمثلها ذلك لمصر ومطالباتكم للمجتمع الدولي في هذا الشأن؟
وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي: مصر دولة مسؤولة، دائما تحترم التزاماتها الدولية. وبالتأكيد مصر دائما كانت وتظل مضيافة وتوفر ملاذا آمنا لكل أشقائها العرب والأفارقة. فهذا أمر مفروغ منه. ولكن نعمل على الموازنة بين هذا الأمر وأيضا حماية الأمن القومي المصري والقانون المصري وإنفاذه. وبالتالي فإن أي أفراد دخلوا بطرق غير مشروعة أو ينخرطون في أنشطة إجرامية مخالفة للقانون، يتم التعامل معهم وفقا للقانون المصري والقواعد التي تحكم التزامنا، فهذا أمر مفروغ منه.
ولكن هناك أعباء جسيمة، مصر تخسر الكثير من العائدات بسبب التوتر في منطقة البحر الأحمر، الأوضاع الاقتصادية الصعبة في المنطقة وفي العالم بسبب جائحة كوفيد ثم الأزمة الأوكرانية ثم أزمة غزة والوضع الحالي في البحر الأحمر.
انعكس هذا علينا من خلال موجات من التضخم وارتفاع الأسعار، ولذلك نتحرك في مصر بكل قوة لدعم أشقائنا وضيوفنا، لكن هناك حدود لذلك. هناك تقاعس من المجتمع الدولي، من الدول المانحة لدعم دول الجوار، ولذلك حذرناهم أكثر من مرة بأن هناك حدودا لما يمكن أن تتحمله مصر وأن عليهم الوفاء بالتزاماتهم.
كان هناك مؤتمر للمانحين في باريس ونجم عنه التعهد بتخصيص ملياري دولار، ولم يتم تنفيذ أي من هذه التعهدات لدول الجوار. مصر تعاني، تشاد تعاني، هناك دول أخرى تعاني، وما لم يتدخل المجتمع الدولي والدول المانحة قد لا تستطيع هذه الدول ومن بينها مصر أن تستقبل أو تحتفظ بمن هم مقيمون على أراضيها لأن الموارد محدودة.
نقلنا لهم رسائل واضحة تماما بأن عليهم أن يتدخلوا لتحمل الأعباء وعدم ترك الأمور لدول الجوار لتتحمل المسؤولية بمفردها، وأنه يتعين على الجميع تحمل المسؤولية، وإلا فعليهم أن يتحملوا تبعات عدم إمكانية إبقاء هؤلاء المهجرين على أراضي دول الجوار.
قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إن العائق أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن المحتجزين هناك، هو عدم وجود "إرادة" لدى الحكومة الإسرائيلية لفعل ذلك. وحذر من "نوايا" جر المنطقة بأسرها إلى حرب إقليمية شاملة.
وفي حوار مع أخبار الأمم المتحدة أجريناه فور انتهائه من إلقاء كلمة مصر أمام المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم السبت، أدان وزير خارجية مصر أي انتهاك لسيدة لبنان. وذكر أن مصر حذرت مرارا من وجود نية مبيتة للتصعيد في المنطقة وقال إن المنطقة أصبحت على حافة الهاوية.
وقال إن هناك شعورا بالإحباط والغضب في الشارع العربي إزاء ازدواجية المعايير "ووجود دولة فوق القانون بإفلات من العقاب". وأضاف أن عدم التعامل "مع التهديد الإسرائيلي الآن في المنطقة وما يمثله من تهديد للأمن والسلم الدوليين مسألة خطيرة ولا يجب التسامح معها". وشدد على ضرورة التدخل لفرض إجراءات "لمنع هذا العدوان ووقفه عند حدوده".