الحفاظ على التراث لغة مشتركة وعلاقة ألفة بين مهندسة يمنية ومدينة صنعاء القديمة
"أشعر وكأن هناك ألفة بيني وبين شوارع وأزقة مدينة صنعاء القديمة، أصبحت المدينة تعرفني وأعرفها"، هكذا وصفت المهندسة اليمنية حربية الحميري علاقتها بمدينتها، ليس فقط لأنها ارتبطت بالمدينة العريقة منذ الصغر، بل وأيضا لأنها واحدة ممن يعملون على الحفاظ على تراث المدينة.
المهندسة حربية الحميري التي اختيرت ضمن أكثر 100 امرأة ملهمة ومؤثرة على مستوى العالم على قائمة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) لعام 2024، كانت تسعى منذ الصغر لتحقيق حلم أن تعمل في مدينة صنعاء القديمة وتحديدا في مجال الحفاظ على التراث، "فالحفاظ على التراث هو حفاظ على استمرارية تاريخنا، تاريخ واحدة من أعظم وأكبر الحضارات".
وكان للحميري ما أرادت حيث التحقت بهيئة المدن التاريخية في صنعاء القديمة، ثم أصبحت ضابطة مشاريع في وحدة التراث الثقافي.
وتعمل المهندسة اليمنية حاليا في ترميم عشرات المباني التراثية في صنعاء وفي أنحاء اليمن، كجزء من مبادرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) الرائدة الممولة من الاتحاد الأوروبي والمنفذة بالتعاون مع الصندوق الاجتماعي للتنمية في اليمن.
وقبل ذلك وتحديدا في عام 2021، كانت الحميري تعمل ضابطة مشاريع ضمن نفس المبادرة في مدينة زبيد القديمة.
وقالت الحميري في لقاء مع منظمة اليونسكو واصفا العلاقة بينها وبين مدينة صنعاء القديمة: "هناك لغة مشتركة بيني وبين المدينة من خلال عملي فيها ومن خلال عملي في مبانيها، في كل بيت أشتغل فيه وحاولت أن أحافظ عليه، شعرت أنه ممتن لي، وأنا ممتنة له لأني تعلمت الكثير أيضا من المدينة".
"تنافس حبا في المدينة"
المهندسة اليمنية تتجول في كل يوم بين جنبات المدينة وأزقتها وشوارعها ومبانيها مع الفريق الذي تقوده. وقالت إنه "لا فارق بين ذكر أو أنثى عند العمل في المحافظة على المدينة التاريخية. في النهاية، كلنا مهندسون ومهندسات نحب أن نحافظ على مدينتنا".
وأكدت أن هناك احتراما كبيرا يسود بينها وبين فريق العمل، وكذلك بين الفريق وسكان المباني أو الحي أو المدينة التي يعملون بها.
وقالت حربية الحميري: "صحيح واجهنا تحديات وصعوبات. ولكن عبر تعاوننا كفريق عمل واحد نتجاوزها. والآن أصبح في المشروع عدد من المهندسات، وأصبح هناك تنافس حبا في المدينة. كل مهندسة أو مهندس يحب أن يكون مساهما في الحفاظ على هذه الجوهرة".
وكانت بي بي سي قالت عن حربية الحميري في مقالها عن السيدات الـ 100 الملهمات والمؤثرات إنه مع تعرض العديد من المباني ذات الأهمية التاريخية للدمار بعد سنوات من الحرب في اليمن، شرعت الحميري في مهمة منح هذه المباني فرصة جديدة للحياة.
فرص للنساء والفتيات
إيجاد فرص للنساء والفتيات كان دائما نصب عين المهندسة حربية الحميري في كل مشروع عملت فيه.
وقالت: "في مدينة زبيد القديمة، دربنا عددا من الفتيات على حرف بناء تقليدي. مثلا، دربناهن على أعمال الخشب، والزخارف على الخشب، والزخارف الجصية، وأعمال النجارة الخاصة بالمدينة التاريخية".
ولم تكن تتوقع أن يكون هناك إقبال من الشابات اليمنيات، لكن على العكس "كلما فتحنا المجال للتدريب، كنا نجد إقبالا متساويا من قبل الذكور والإناث. وفي بعض الحرف، كان إقبال الفتيات أكبر من الذكور".
وقالت الحميري إنها سألت يوما إحدى الفتيات عن سبب إقبالها على التدريب على أعمال النجارة التقليدية فقالت لها الشابة اليمنية "في بيتنا كثير من الزخارف الخشبية، ونحن كأسرة بدلا من أن يأتي شخص غريب يرممها لنا، أرممها أنا. فأنا من أصحاب البيت وأنا الأحق في أن أرممها، وبالتالي أحافظ على خصوصيتي".
وأفادت الحميري بأنه في المشروع الذي تعكف عليه حاليا، هناك الكثير من المهندسات يشرفن على ترميم مبانٍ، "ويثبتن كل يوم أنهن قادرات على المنافسة في هذا المجال".
وقدمت المهندسة اليمنية نصيحة الفتيات قائلة: "نصيحتي لأي فتاة أن تختار المجال الذي تحبه، لأنه طالما تحب ذلك المجال فأكيد ستنجح فيه. ومع الصبر والاجتهاد والمثابرة فأكيد ستنجح في تحقيق الطموح الذي تتمناه".