في ظل الاحتفالات في سوريا بسقوط نظام الأسد، الأمم المتحدة تحث الشعب السوري على "الوحدة ثم الوحدة ثم الوحدة"
قال آدم عبد المولى، منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، إن الأجواء الاحتفالية عمت جميع ربوع البلاد في أول جمعة بعد سقوط نظام الأسد، مؤكدا أن مكتبه لم يتلق أي تقارير عن تجاوزات في إطار هذه الاحتفالات.
وفي حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة، قال إن فريقا أمميا سافر من دمشق إلى حلب وعاد ليفيد بأنه "لم ير أي حواجز على الطريق ولم تحصل معه أي حادثة أمنية على الإطلاق، مما أعطانا الطمأنينة إلى حد ما بأننا قادرون على البدء في توسيع نطاق استجابتنا الإنسانية".
وعلى الرغم من الضمانات التي قدمتها هيئة تحرير الشام باستمرار عمل المؤسسات الحكومية، أكد أن الشعور بالخوف في الأيام الماضية حال دون عودة الموظفين الحكوميين إلى وظائفهم، بما في ذلك قوات الشرطة - مما أدى إلى تولي عناصر الهيئة مهمة استتباب الأمن في الأماكن التي يسطرون عليها. لكنه قال إنه في اليوميين الماضيين، بدأ الموظفون يعودون تدريجيا إلى عملهم، وستتجلى الأمور أكثر فأكثر في الأيام القادمة.
وردا على سؤال حول كيفية عمل الأمم المتحدة مع هيئة تحرير الشام، المدرجة على قائمة مجلس الأمن للمنظمات الإرهابية، قال إن المنظمة تتعامل "مع أي جهة تسيطر على رقعة جغرافية داخلها أشخاص يحتاجون إلى خدماتها"، وهي "لا تضفي الشرعية على أحد ولا تحجب الشرعية من أحد" من خلال التواصل معها.
وعلى الرغم من الأجواء الاحتفالية، حذر السيد عبد المولى من أن الوضع الأمني لا يزال مضطربا بشكل كبير، خاصة في المناطق التي استمرت فيها الأعمال العدائية خلال الأيام الماضية بين كل من قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام وما يعرف بالجيش الوطني، بالإضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية المكثفة، والتي أدت بشكل غير مباشر إلى تعليق بعض أعمال المنظمات الإنسانية "خوفا من أن تجد نفسها في المكان الخطأ في الوقت الخطأ".
وسط هذا المشهد وفيما تستمر التحركات البشرية داخل سوريا، وتوقعات عودة اللاجئين إلى ديارهم في الفترة المقبلة، حث منسق الشؤون الإنسانية المجتمع الدولي على تقديم المساعدات اللازمة لدعم البنية التحتية والخدمات الأساسية الهشة للغاية، لتفادي تفاقم الأزمة الإنسانية "العميقة بالأساس".
وحث الشعب السوري الآن على "الوحدة ثم الوحدة ثم الوحدة"، ووقف إراقة الدماء بين الفرقاء السوريين، والشروع مبكرا في إعادة الإعمار. وشدد السيد عبد المولى على أن السوريين شعب خلاق ولديه قدرات عديدة، "ويستطيعون بقليل من المساعدة من الخارج أن يعيدوا بناء بلدهم الذي كان في مجالات عديدة متقدما للغاية قبل الأزمة".
فيما يلي نص الحوار الكامل مع السيد آدم عبد المولى منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا.
أخبار الأمم المتحدة: السيد آدم عبد المولى أنت موجود الآن في دمشق. هل لك أن ترسم لنا صورة للوضع والمناخ العام اليوم في العاصمة؟
آدم عبد المولى: اليوم أول جمعة بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد. هنالك أجواء احتفالية في كافة مدن سوريا. هنالك عشرات الآلاف الآن في ساحة الأمويين هنا في دمشق، وكذلك عشرات الآلاف في كافة الميادين في حمص وحماه وحلب ودير الزور وفي كل المدن السورية.
يحتفلون بسقوط النظام، ونسمع نفير السيارات في الشوارع ومئات الأشخاص. هناك أجواء احتفالية حقيقية تعم الجغرافيا السورية. وتسمع هنا في الخلفية - بالرغم من أنني أغلقت كافة النوافذ – يمكنك أن تسمع بعض الأصوات.
أخبار الأمم المتحدة: هل هناك وجود مسلح؟ هل تعمل المؤسسات الحكومية؟ هل هناك وجود للشرطة؟
آدم عبد المولى: القوات التي سيطرت على المدن - قوات المعارضة - أعلنت أنها ستضبط النظام، وستحاول أن تعم هذه الاحتفالات في كافة المدن بشكل منضبط. وأطلقت نداءات لكافة المواطنين أن يلتزموا بالإجراءات الأمنية التي أعلنت عنها. وحتى الآن، لم نسمع بأي تجاوزات في إطار هذا الاحتفال.
أخبار الأمم المتحدة: بالطبع كنت مشغولا خلال الأيام القليلة الماضية بالاتصالات، هل يمكنك أن تحدثنا عن بعض تلك الاتصالات؟ وكيف تبدو قنوات اتصال الأمم المتحدة مع الجهات الرسمية؟
آدم عبد المولى: نتعاطى مع الحكومة الجديدة عن طريق لجنتها السياسية. وهنالك شخص محدد من لجنة السياسة هو قناة الوصل بين الأمم المتحدة والحكومة الجديدة. ونعمل من خلاله على إرسال الرسائل، وأيضا على استلام الإجابات من قبل الحكومة الجديدة.
نأمل أنه بإنشاء الحكومة وتأليف الوزارة الجديدة أن تستقر الأمور تدريجيا، وتتمكن الأمم المتحدة وكافة منظماتها من أن تتحاور بشكل مباشر مع الوزراء المختصين في المجالات التي تهم كل منظمة من المنظمات الأممية.
أخبار الأمم المتحدة: كما نعلم جميعا، ما زالت هيئة تحرير الشام مدرجة حاليا على قائمة مجلس الأمن للمنظمات الإرهابية. هل هذا يؤثر على تواصلكم معها؟
آدم عبد المولى: هذا السؤال مهم ويجب الإجابة عليه بوضوح. نحن في الأمم المتحدة نتعامل مع أي جهة تسيطر على رقعة جغرافية داخلها أشخاص يحتاجون إلى خدمات الأمم المتحدة، بغض النظر عن تصنيف هذه الجهة من مجلس الأمن أو من الدول الأعضاء. ليس هنالك حظر على الإطلاق على الأمم المتحدة وعلى أي من منظماتها للتعامل مع هيئة تحرير الشام. وأقول هذا بوضوح كامل.
نحن منظمة أممية لا نضفي شرعية على أحد ولا نحجب الشرعية من أحد. مثل هذا الإجراء لا يتم إلا من قبل الدول الأعضاء. الدول فقط هي التي يمكنها أن تحجب الشرعية، أو تعترف أو لا تعترف بأي جهة. نحن كمنظمة - وخاصة في مجال عملنا الإنساني - نلتزم بقواعد العمل الإنساني وهي الحيادية والاستقلال. وهذا يفرض علينا أن نتعامل مع أي جهة حكومية بغض النظر عن تصنيفها.
أخبار الأمم المتحدة: لنتحدث قليلا عن الوضع الإنساني، في ظل التطورات المتسارعة ما هي أكثر الاحتياجات إلحاحا للمدنيين، وما هي التحديات الجديدة التي ظهرت خلال الأسبوعين الماضيين؟
آدم عبد المولى: هذا أيضا سؤال مهم. قبل الأزمة مع مطلع هذا العام، كان لدينا حوالي 16.7 مليون شخص في سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، أي ثلثي سكان سوريا. في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وبسبب الحرب في لبنان، أتى إلى سوريا حوالي 600 ألف شخص - ما يزيد على 500 ألف شخص منهم سوريون - عادوا من لبنان بسبب الحرب هناك.
هؤلاء أضافوا عبئا جديدا على العمل الإنساني في سوريا. دعني أقول إن خطة الاستجابة الإنسانية الأساسية التي حددت أن هناك 16.7 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدة إنسانية، قدرت أن هذه الاحتياجات تحتاج إلى 4.1 مليار دولار. لم نتلق من هذا المبلغ إلا حوالي 28 بالمائة. ثم جاءت موجة النزوح من لبنان، وقدرنا أن احتياجات النازحين الذين أتوا من لبنان حوالي 324 مليون دولار. لم نتحصل منها حتى الآن إلا على 23 بالمائة.
أخيرا، في ظل الحملة العسكرية التي أدت الى إسقاط النظام، نزح حتى الآن ما يزيد عن 374 ألف شخص، هذا أضاف إلى العبء الإنساني. والآن، نحن نستشرف مرحلة جديدة من مراحل الأزمة الإنسانية في سوريا، ذلك أن سقوط النظام فتح المجال لعودة طوعية لعدد كبير جدا من اللاجئين السوريين، وكما تعرف هناك سبعة مليون لاجئ سوري حول العالم. الوضع في سوريا - البنية الأساسية والخدمات الأساسية هشة للغاية، وإذا لم يسرع المجتمع الدولي لتقديم المساعدات اللازمة، فإن ذلك سيؤدي إلى تفاقم أزمة إنسانية هي أصلا عميقة.
أخبار الأمم المتحدة: تحدثنا عن الوضع الأمني، والأمين العام بالأمس أعرب عن قلقه إزاء مئات الغارات الجوية الإسرائيلية في جميع أنحاء سوريا، كيف يؤثر ذلك على العمليات الإنسانية؟ وكيف يبدو لكم الوضع الأمني في هذه المناطق؟
آدم عبد المولى: بشكل عام الوضع الأمني في سوريا لا زالت فيه اضطرابات كثيرة. هنالك حرب دائرة الآن بين فصائل لا زالت تقاتل بعضها بعضا، مثلا قوات سوريا الديمقراطية - وهي قوامها من أكراد شمال شرق سوريا - تقاتل ضد ما يعرف بالجيش الوطني في أقصى الشمال. أيضا قوات سوريا الديمقراطية خاضت حربا في الأيام الماضية ضد هيئة تحرير الشام في مناطق دير الزور.
هذه الحروب تؤدي إلى نزوح مواطنين سواء من المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام في شمال غرب البلاد، وبشكل خاص المجموعات الكردية التي تلجأ إلى مناطق سيطرة الأكراد في الشمال الشرقي في موجات نزوح متتالية، أو أشخاص كانوا في مناطق دير الزور، والآن اضطروا إلى النزوح إما شمالا إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، أو إلى أماكن تسيطر عليها هيئة تحرير الشام وشركاؤها.
بالنسبة للغارات الجوية الإسرائيلية، إذا أخذنا فقط التصريحات الرسمية الإسرائيلية، فهي تقول إن إسرائيل قامت بأكثر من 500 غارة جوية في أقل من 72 ساعة. تقول هذه التقارير الإسرائيلية أيضا إنه تم تدمير 85 بالمائة من كافة المقدرات العسكرية السورية، بما في ذلك مخازن الأسلحة، المطارات، ومحطات الرادار، ومحطات الدفاع الجوي، كل الطائرات المقاتلة السورية بكافة أنواعها. تم تدمير أيضا القوة البحرية السورية بالكامل، وما إلى ذلك. هذا يخلق جوا عاما من عدم الأمن، حيث اضطرت العديد من المنظمات العاملة في الحقل الإنساني أن تقلص عملياتها خوفا من أن تجد نفسها في المكان الخطأ في الوقت الخطأ.
وبالتالي، حتى إذا لم تستهدف هذه الغارات بشكل مباشر الفرق الإنسانية، إلا أن النتيجة غير المباشرة هي أن الفرق العاملة في المجال الإنساني تخشى على طواقمها وعلى قوافلها، وبالتالي تحجم عن العمل في أماكن كثيرة.
أخبار الأمم المتحدة: حدثتنا عن حركة النزوح وهناك تحركات بشرية كثيرة في أنحاء البلاد، هل ما زلتكم قادرين على الوصول إلى الناس النازحين أو من يتنقلون؟
آدم عبد المولى: نحن لم نتوقف قط عن العمل في تقديم المساعدات بقدر ما نستطيع، بقدر ما تسمح الظروف الأمنية في كل موقع. وقطعنا عهدا على أنفسنا بأننا لن نبارح سوريا، وتمسكنا بشعار "البقاء والوفاء"، وظل الفريق الإنساني حتى في أماكن النزاع المسلح يقدم ما يستطيع للأشخاص المحتاجين.
أخبار الأمم المتحدة: انطلاقا من هذا، كما قلت، حافظت الأمم المتحدة على وجود قوي في سوريا طوال الأحداث الأخيرة، لكنها نقلت موظفيها غير الأساسيين إلى خارج البلاد. هل هناك خطط حالية لعودة المنظمة إلى كامل طاقتها في سوريا؟
السيد آدم عبد المولى: نحن أخرجنا الموظفين غير الأساسيين، ونحاول الآن استبدالهم بأشخاص يستطيعون أن يعملوا في ظل المناخ السائد الآن في سوريا. لدينا العديد من الموظفين الآن، وهم جاهزون للحضور إلى سوريا، وننتظر فقط أن تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي في المعابر الحدودية والمطارات لكي نستطيع استقدام هؤلاء الأشخاص.
بعثت برسالة لمعالي السيد رئيس الوزراء الجديد أطلب فيها بالإسراع في السماح لهؤلاء الموظفين بالدخول إلى سوريا.
أخبار الأمم المتحدة: أريد أن أتكلم قليلا عن الصور الآتية من صيدنايا والسجون الأخرى التي رأيناها. هل للأمم المتحدة دور في تأمين الأدلة على الجرائم المحتملة ضد الإنسانية؟
السيد آدم عبد المولى: لقد حصلت على معلومات دقيقة للغاية عن مواقع المقابر الجماعية، عن السجون، والمواقع التي يمكن أن يكون حدث فيها تعذيب، وما إلى ذلك. وأتطلع إلى أن أتحدث مع الأشخاص المعنيين في الحكومة الجديدة لكي نعمل معا على تأمين هذه المواقع. لدينا من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان خارطة واضحة بكل هذه المواقع.
أخبار الأمم المتحدة: لقد مر عام على توليك هذا المنصب، وقد عملت على الملف السوري في السابق. ما هي توقعاتك لمستقبل سوريا، وما أهم ما تحث السوريين عليه في هذا الوقت المهم؟
السيد آدم عبد المولى: ما أحث السوريين عليه الآن هو الوحدة ثم الوحدة ثم الوحدة. سوريا بلد متعدد من ناحية الأثنية والدينية والطائفية، ولذلك في هذا المنعطف الذي تمر به سوريا يحتاجون إلى أن يتوحدوا أكثر من أي وقت مضى.
هنالك قضايا أهمها الآن هي استتباب الأمن ووقف إراقة الدماء بين الفرقاء السوريين. هذه قضية عاجلة. القضية الثانية، هي قضية التصدي للاحتياجات الإنسانية الهائلة جدا، ونحن نقف على أهبة الاستعداد لتقديم ما نستطيع في هذا الجانب.
الأمر الثالث، هو الشروع مبكرا في إعادة الإعمار. لقد دمرت سنوات الأزمة كافة البنية التحتية لسوريا، وهنالك أهمية مطلقة لأن يشرع الجميع في إعادة إعمار سوريا. في هذا المجال أيضا، نستطيع أن نقدم مساعدات فنية.
ونحث أصدقاء سوريا وجيرانها على تقديم كل ما يستطيعون من أجل إعادة إعمار سوريا. السوريون شعب خلاق وعنده قدرات وهم متعلمون، ويستطيعون بقليل من المساعدة من الخارج أن يعيدوا بناء بلدهم الذي كان في مجالات عديدة متقدما للغاية قبل الأزمة.